U3F1ZWV6ZTI4MDc4MjUzNjU5NzYxX0ZyZWUxNzcxNDE5MDM1OTI4NQ==

القانون والدين

 القانون و الدين

لما كان القانون بالدرجة الأولى قاعدة اجتماعية مصدره المجتمع وميدانه المجتمع و غايته تنظيم المجتمع. كان طبيعيا أن يحدث الخلط بينه و بين القواعد الاجتماعية الأخرى كالأخلاق و الدين.  فالأخلاق مثل الدين  افرزا مجموعة من القواعد التي تهدف أيضا إلى تنظيم المجتمع . إلا أن مفهوم الدولة الحديث الذي جعلها تنفرد بوضع القوانين استطاع أن يزيح هذا المزج. و يضع حدا فاصلا بين القانون و بقية القواعد الأخرى. فالقانون هو جملة من القواعد العامة و المجردة و الملزمة ذات غاية اجتماعية قانونية و تنظيمية ، في حين أن الدين هو مجموعة القواعد التي تنظم أساسا علاقة العبد بربه.

 و إذا كانت المصادر أو الطبيعة الجزائية لكل من القاعدة القانونية و القاعدة الدينية تسمح لنا من رصد الاختلافات بينهما  (الجزء الأول) فأن هذا التمييز يبقى محدودا و نسبيا(الجزء الثاني)


I- تمييز القاعدة القانونية عن القاعدة الدينية 


أ- اختلاف على مستوى المصادر: 

يتميز القانون عن الدين تمييزا أساسيا من خلال مصادر كل منهما. ففي حين تجد القاعدة القانونية مصدرها في السلطة التشريعية التي تعبر عن إرادة الشعب. فان القاعدة الدينية تستمد مصادرها من إرادة متعالية عن إرادة الإنسان. و هذا حال كل الديانات تقريبا سواء كانت سماوية كاليهودية و المسيحية و الإسلام أو لم تكن سماوية كالبوذية و الصابئة و البرهمية و الهندوسية.   ففي الإسلام مثلا تجد القاعدة الدينية مصدرها في القرآن و السنة. كما إننا نلاحظ من خلال المصادر الفقهية إن القاعدة الدينية تنطلق من الخاص إلى العام و تستهدف حالة بعينها و ليس العكس كما هو الشأن بالنسبة إلى القانون الذي يتميز بطابعه المجرد و العام. واذا كانت  القاعدة الدينية تتميز عموما بكونها موجهة إلى شعب أو فئة معينة و ليس كل الناس ، فان القاعدة القانونية لا تستهدف شخصا محددا أو حالة محددة و أنما تستهدف كافة المواطنين على قدم المساواة. 

و بإمكاننا أن نلاحظ في ميدان العبادات  مثلا كيف أن الصلاة أو الحج هو فرض واجب على المسلمين فقط أما في مجال المعاملات فان تحريم أكل لحم الخنزير أو تحريم الزواج بالكافرين أو الكافرات لا يلزم إلا المسلمين  و هذا عكس القاعدة القانونية.


من جهة أخرى فان القاعدة القانونية تتميز بالتطور و التغيير في المقابل تتميز القاعدة الدينية بالثبات و القدسية . وهي تهدف أساسا إلى تنظيم العلاقة بين الخالق و المخلوق و تقوم على الإيمان و العقيدة و الإقناع . و تعرف هذه العلاقة بكونها روحية . في حين ما يربط الدولة بالمواطن هي علاقة سياسية تقوم على الجنسية و تبرز من خلال عناصر موضوعية كالولادة و النسب .


ب- اختلاف على مستوى الجزاء 


لما كانت القاعدة القانونية تهدف بطبيعتها إلى تنظيم المجتمع كان لا بد أن تكون ملزمة و إلا لما كان لها من جدوى إذا لن يتم احترامها من قبل المواطنين و لن يتم الالتزام بها.

 من هذا المنطلق  تختلف القاعدة القانونية عن بقية القواعد في كونها تأتي في أمر أو نهي و هو ما يجعلها تختلف جوهريا عن طبيعة الدعوة أو النصيحة  التي تميز القواعد الأخلاقية و الدينية.

و لولا هذا الإلزام لما كان للقاعدة القانونية دورها في تنظيم المجتمع خصوصا و ان هذه القواعد القانونية نجدها في كثير من الأحيان تتعارض مع القواعد العرفية و الأخلاقية  و حتى الدينية.  فلول الصبغة الآمرة للفصل 18 من مجلة الأحوال الشخصية الذي يمنع تعدد الزوجات مسلطا عقوبة جزائية على من يخالف تراتيب هذا النص لما أمكن تكرسه .

و يقترن الإلزام عادة بالعقاب المترتب عن عدم احترام القاعدة القانونية و قد يصل الأمر بالدولة خصوصا في المادة الجزائية إلى استعمال جميع الوسائل التي من شانها فرض النظام و الأمن و إرجاع الحقوق إلى أصحابها. وتتراوح العقوبة في المادة الجزائية، إذا توفرت أركان الجريمة بين الإعدام و السجن و الخطية حسب خطورة الجريمة.  أما في المادة المدنية فان العقوبة تتجلى من خلال التنفيذ( مثلا العقلة ) أو التعويض( من خلال البطلان و جبر الضرر )

تختلف  جزاء القاعدة القانونية إذا  عن جزاء القاعدة الدينية ؛ فجزاء القاعدة الدينية اجل و يلقاه الإنسان في يوم القيامة بينما جزاء القاعدة القانونية دنيوي و عاجل و تسهر الدولة على تنفيذه.


رغم هذا الاختلاف البين بين القاعدة القانونية و القاعدة الدينية فانه من الصعب إنكار التداخل بينهما.


II- حدود التمييز 


أ‌- أثر الدين في القانون .

لا ينفرد القانون وحده بتنظيم المجتمع و العلاقات الإنسانية إذ هناك أيضا العرف و الأخلاق و الإنصاف فظلا عن الدين الذي يقوم بدور مهم بل أن أهمية هذا الدور تصل إلى حد تأثير القاعدة الدينية على القاعدة القانونية. فالفصل 317 من المجلة الجنائية الذي يعاقب بالسجن و الخطية كل من وجد بحالة سكر واضح في الطريق العام يستمد جذوره من القواعد الدينية التي تحرم تعاطي الخمور و هو ما أكدت علية الأحاديث النبوية.  كما أن تلكؤ القانون التونسي في الاعتراف بابن الزنا يجد مرجعه في الحديث النبوي الشريف الولد للفراش و للعاهر الحجر.

و من اثر الدين على القانون ما نجده في الدساتير الإسلامية من تنصيص على إن الدين الدولة هو الإسلام أو أن الإسلام هو دين رئيس الدولة أو أن الشريعة الإسلامية هي مصدر من مصادر القانون. و هذا حال اغلب الدول الإسلامية. هذا فضلا عن الإشارات العديدة و التعابير الفقهية و الدينية التي تتخلل مختلف النصوص القانونية و التي تثير عادة إشكالات تجبرنا على العودة إلى المصادر الفقهية الكلاسيكية لفهم معناها. من ذلك مثلا تعبير الفراش في مادة الأحوال الشخصية، و الرد في الميراثّ.

و من الإشكالات التي افرزها تأثر القانون بالدين ما أدى إلى  بروز أحكام قضائية ؛ معقدة فمثلا في ميدان التبني نلاحظ انه رغم أن القاعدة القانونية في تونس منذ فجر الاستقلال أقرت بحق التبني في جرأة واضحة للنص الديني فان القاضي اثر تطبيق القاعدة الدينية، كلما طرحت أمامه دعوى في العودة عن التبني و لسان حاله يقول إن الرجوع عن الباطل خير من التمادي فيه! 


ب- تطابق القاعدة القانونية مع القاعدة الدينية 

رغم التمييز الذي يبدو واضحا في بعض الأحيان بين القاعدة الدينية و القاعدة القانونية فان التداخل بين القاعدتين يصل أحيانا إلى حد التطابق.

 هذا التطابق يجعل التمييز بينهما أمرا عسيرا. ففي المجتمعات الإسلامية نجد عدة قواعد قانونية صادرة عن السلطة التشريعية في مجال الأحوال الشخصية و مادة المواريث و حتى في المجال الجنائي و هي مبثوثة في مختلف المجلات القانونية و مع ذلك فلا احد يشك في كونها قواعد دينية. من ذلك قاعدة تعدد الزوجات الذي تقرها معظم قوانين الدول الإسلامية ( باستثناء القانون التونسي و القانون التركي)هي في ذات الوقت قواعد دينية و قانونية. نفس الشيء ينطبق على قواعد الميراث التي تعتبر في معظم الأحيان استعادة حرفية لما جاءت بها الأحكام الإسلامية.

كما أن الإعدام في المادة الجزائية خصوصا في الجرائم الكبرى و الخطيرة مثل القتل العمد التي تقرها مختلف التشاريع الإسلامية تستمد جذورها من القواعد الدينية التي تقر بان جزاء القتل العمد هو القتل .


تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة