المساواة في الإرث بين الشريعه الإسلامية والتشريع الوضعي
لقد آثارت مسألة المساواة في الإرث جدلا كبيرا حول مدى تعارضها مع أحكام النص القرآني من جهة ومن حيث ضرورة إقرارها ضمن التشاريع القانونية في اطارالعمل على إقرار مزيد من الحقوق للمرأة من جهة أخرى .ولقد تم طرح مسألة المساواة في الإرث في تونس في عهد السيد الرئيس المرحوم الباجي قائد السبسي رئيس الجمهوربة التونسية حيث قام بالمصادقة علي مشروع قانون أساسي سنة 2018 متعلق باتمام مجلةالأحوال الشخصية والذي يتضمن احكام متعلقة بالتساوي في الإرث بين الذكر والأنثى إلا أن هذا التنقيح لمجلةالأحوال الشخصية لم يتعدا مرحلة كونه مشروع قانون .ان البحث في مسألة المساواة في الإرث بين الشريعه الإسلامية والتشريع الوضعي يفترض تعريف هذه المصطلحات لإمكانية تناول هذه المقاربة بالبحث تُعرّف الشريعة اصطلاحا بأنّها ما شرعه الله سُبحانه لعِباده من الأحكامِ التي جاء بها نبيٌّ من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، سواءً كانت هذه الأحكام أحكاماً اعتقاديّةً أو أحكاماً عمليّةً ليُؤمنوا بها فتكون سعادتهم في الدنيا والآخرة، وبِإضافة لفظ الإسلام إلى الشريعة كان مَعنى الشريعة الإسلاميّة ما نَزل به الوَحي على مُحمّد صلى الله عليه وسلّم من الأحكام التي تُصلِح أحوال الناس في الدنيا والآخرة سواءً في ذلك الأحكام العقائديّة، أو الأحكام العملية أو الأخلاق أما التشريع القانوني هو مجموعة القواعد العامة المجردة الملزمه الصادرة عن السلطة العامة المختصه في الدولة التي تبيح أو تحظر أو تنظم حق أو مجموعة حقوق بعبارة أخرى هو كل قاعده قانونية تصدر عن السلطه المختصه في وثيقة مكتوبة.
إن المتأمل في أحكام المواريث بالنسبة للمرأة، سيجد لها حالات متعددة في الشرع الإسلامي، فتارة ترث المرأة نصف الرجل، وتارة أخرى ترث مثل الرجل تماما، وتارة ثالثة ترث ضعف الرجل، وتارة رابعة ترث المرأة ولا يرث الرجل. وفي نفس الآيات التي يستشهد بها من يزعم أن الإسلام ظلم المرأة، وأعطاها نصف الرجل، دلالة على أننا أحيانا تلقى إلينا الشبهة عن الإسلام، فنستسلم لها، دون إعمال للفكر، والعقل، بميزان الشرع، وهذا بيان لهذه الحالات الأربع التي ذكرتها عن حالات ميراث المرأة مع الرجل:
1ـ حالات يأخذ فيها الذكر ضعف الأنثى:هناك حالة يأخذ فيه الرجل ضعف المرأة، وهي كما هو واضح ومبين عندما يتوفى رجل ويترك أولادا ذكورا وإناثا، فنصيب الذكر ضعف نصيب الأنثى، كما في قوله تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) النساء: 11.
2ـ حالات ترث فيها المرأة مثل الرجل:وهناك حالات تتساوى فيها المرأة مع الرجل في الميراث، والعجيب في الأمر، وهو ما يدل على جهل من يهاجمون الإسلام في اتهامه بإجحاف المرأة في الميراث، أن هذه الحالة التي تتساوى فيها المرأة بالرجل في الميراث في نفس الآية التي يستشهدون بها، يقول تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد، فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث، فإن كان له إخوة فلأمه السدس) النساء: 11. فهذه حالة من الحالات التي تتساوى فيها المرأة بالرجل، وهي إذا ما مات إنسان وترك أبا وأما، فالأب والأم هنا يتساويان تماما في التركة، وهما رجل وامرأة في نفس درجة القرابة للميت، فكل منهما يرث سدس التركة.
والحالة الثانية التي تتساوى فيها المرأة بالرجل في الميراث، إذا ما مات إنسان ولم يكن له أبناء، ولا أب أو أم، وترك أخا وأختا، أو إخوة وأخوات، فعندئذ يتساوى الإخوة والأخوات رجالا ونساء في الإرث، يقول الله تعالى: (وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فكل واحد منهما السدس، فإن كانوا أكثر من ذلك هم شركاء في الثلث) النساء: 12.
3ـ حالات ترث فيها المرأة أكثر من الرجل:وهناك حالات ترث فيها المرأة أكثر من الرجل، فمثلا لو ماتت امرأة وتركت: زوجا وأبوين وبنتين، يكون توزيع التركة كتالي: الزوج (وهو رجل) الربع، والأب السدس (وهو رجل) والأم السدس، وللبنتين الثلثان، أي أن نصيب كل بنت من البنتين أكثر من نصيب الأب وهو رجل، وأكبر من نصيب الجد وهو رجل. ولو كانت البنتان هنا بنتا واحدة، لأخذت النصف، ولأخذت بالطبع ضعف الأب وهو رجل، وأكثر من الجد وهو رجل.
4ـ حالات ترث فيها المرأة ولا يرث الرجل: وهناك حالات ترث فيها المرأة ولا يرث الرجل وهما متساويان في درجة القرابة للميت، وهي في حالات وجود جدة لأب مع جد لأم مع وجود وارثين آخرين، ترث الجدة لأب وهي امرأة، ولا يرث الجد لأم وهو رجل.
ويمكن القول في هذا الإطار أن أحكام الميراث في الشريعه الإسلاميه لا ترفض المساواة في الإرث بين الذكر والانثى تماما بل و تقبل أن ترث الأنثى اكثر من الذكر في أكثر من موضع . ويعد الإرث حقا يتسلمه الوارث بعد وفاة مورثه والحق هنا يمكن التنازل عنه تنازلا كليا أو جزئيا وهي مسألة مقبولة شرعا وقانونا وفي هذا السياق يمكن إقرار المساواة في الإرث في تونس من منطلق افتراض تنازل كل ذكور تونس عن حقهم في الإرث طبق قاعدة للذكر مثل حظ الأنثيين و أيضا من خلال تنازل كل إناث تونس عن حقهم في الإرث أكثر من الذكر في المواضع التي تم الحديث عنها سابقا حيث لا يتعارض هنا سن قانون المساواة في الإرث مع النص القرآني لأن منطلق سن هذا القانون لن يكون من خلال معارضة الشريعه الإسلامية بل سيكون من خلال اعتبار أن الإرث حق وقع التصرف فيه من خلال إقرار قاعدة المساواة بما يتماشى مع روح النص القرآني ويعزز المنظومة التشريعية التونسية بما يجعلها أكثر تناسقا وتناغما حيث نذكر في هذا السياق أن الدستور التونسي لسنة 2014 أقر في الفصل 21 منه أن "المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات وهم سواء أمام القانون من غير تمييز" وهو ما لانجده ضمن أحكام الميراث في القانون التونسي وباعتبار أن الدستور اعلى من بقية القوانين من حيث الدرجه يمكن أن تطرح عدة مشاكل خاصة مع إقرار المحكمة الدستورية التي ستجد نفسها أمام نصوص قانونية عديدة غير دستورية، وتجدر الإشارة إلي أن تطور المجتمع وتغير وضعية المرأة في المجتمع التي أصبحت تتحمل أعباء كثيرة اليوم كدفع الضرائب مثلا او المشاركة في الانفاق على العائلة أفرز الحاجة إلى سن قوانين تاخذ بعين الإعتبار هذه التغيرات في إطار التوفيق بين أحكام الشريعة الإسلاميةوالقانون الوضعي عند وضع القاعدة القانونية في دولة يؤمن اغلب مواطنيها بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف
إعداد: مروى تنبان سنة ثانية ماجستير بحث في القانون الخاص
إرسال تعليق