U3F1ZWV6ZTI4MDc4MjUzNjU5NzYxX0ZyZWUxNzcxNDE5MDM1OTI4NQ==

حرية التعبير





 حرية التعبير: الاطلاق والقيود

تقديم 

المفارقة او الاشكالية التي يطرحها حق الإنسان في الرأي والتعبير كونه من جهة هو حق مطلق وطبيعي في الإنسان لا يحتاج إلى تقييد. ومن جهة أخرى هو بحاجة أن يقيد من اجل حماية جملة من الحقوق الأخرى كحق الإنسان في الأمن وحقه في حماية المعطيات الشخصية وحماية النظام العام ومراعاة قيم المجتمع.  

فإلى أي مدى يمكن الإقرار بحرية التعبير؟

I- الاطلاق 


أ‌- على صعيد التكريس القانوني 


- تم تكريس هذين الحقين على المستوى الدولي ضمن المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و المادتين 18 و 19 من الميثاق الدولي حول الحقوق المدنية و السياسية و كذلك في عديد الاتفاقيات الإقليمية من ذلك المادتين 9 و 10 من الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان.

- وقد نص الدستور على ان حرية الرأي والفكر والتعبير والإعلام والنشر مضمونة مشددا على عدم ممارسة رقابة مسبقة على هذه الحريات.

- وتعبير حرية الراي والتعبير من اهم الحريات بل أصل كل الحريات الفردية والجماعية فمنها تتفرع باقي الحريات على غرار (حرية الصحافة والتظاهر والمعتقد).

- تعد حرية الرأي والتعبير ركنا اساسيا من منظومة حقوق الانسان، وهي تصنف كجزء من الحقوق المدنية والسياسية. وهي تعد ايضا من حقوق الجيل الأول من لحقوق الانسان، باعتبارها حقوقا سلبية، على الحكومات عدم التدخل فيها، والتقييد على البشر في حقهم في التعبير عن آرائهم في مختلف القضايا، أي كانت. وبالتالي فإن انفاذ هذا النوع من الحقوق واجب النفاذ الفوري، ولا يقبل التدرج أو التأجيل.

- احترام معايير حقوق الانسان يشكل حاجة وضرورة ملحة لضمان استقرار المجتمعات، لأن احترام كرامة الانسان التي تعد جوهر منظومة حقوق الانسان، هي التي تمنح المجتمعات قيمتها واستقراها. وما حرية الرأي والتعبير الا أحد المعايير الأساسية في إطار منظومة حقوق الانسان، وبدون تمتع الانسان بهذا الحق، لن يتمكن من التمتع بأي من الحقوق الأخرى مهما كانت طبيعة المنافع الاقتصادية والاجتماعية التي يتمتع بها.


ب‌- على صعيد التجسيم القانوني 

 يقوم حق الإنسان في الرأي والتعبير على مظهرين أساسين:  

أ/ لا تجريم بسبب الآراء: 

وهذا يعني أن للفرد مطلق الحرية في التعبير على نفسه دون أن يترتب على ذلك أي عقوبة أو مساس بحقوقه أو حريته.

 ويجب الملاحظة ان تجريم الناس على آراءهم كان معتمدا في عدة أنظمة قانونية. ولكن هذه العقوبة تراجعت ووقع إلغائها في جل الأنظمة القانونية المعاصرة.

2/ التزام الإدارة بالحياد: 

وهذا يعني أن تقدم الإدارة خدماتها بمعزل عن آراء موظفيها أو حرفائها. 

فإزاء الموظفين: لا يجوز اخذ بعين الاعتبار الانتماء السياسي والديني للمرشح للوظائف العمومية. وقد اصدر مجلس الدولة الفرنسي عدة قرارات في هذا الاتجاه. (قرار برال 28/5/1945 Arrêt Barel )

وقد تبنت المحكمة الإدارية التونسية نفس الاتجاه وإن يكن ضمنيا في قرارها عدد 1053 الصادر في 18 جوان 1986.

- أما بالنسبة للحرفاء: فيتوجب على الإدارة معاملتهم بنفس الطريقة وعلى قدم المساواة بمعزل عن انتمائهم الفكري والديني والإيديولوجي.

غير أن ممارسة هذه الحقوق بشكل مطلق قد يتضارب مع بعض الحقوق الأخرى وهو  ما يستوجب وضع حدود لهذه الحقوق.


II- القيود 


أ‌- الأساس القانوني لهذه القيود 

ان ممارسة حق الرأي والتعبير لا يجب أن يؤدي إلى الإضرار بالغير او يتجاوز القانون كما ان ممارسة هذا الحق يتطلب الأخذ بعين الاعتبار خصوصية بعض الوظائف. 

- ويعتبر الحفاظ على النظام العام أهم المبررات التي تسمح بالحد من حق الإنسان في التعبير. 

- وفي صورة حصول ذلك يصبح الفرد عرضة للإحالة على القاضي الجزائي وللعقاب. 

-وقد اقرت المادة 29 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان، الى خضوع الفرد عند ممارسة حقوقه وحرِّياته، الى القيود التي يقرِّرها القانونُ مستهدفًا منها، حصرًا، ضمانَ الاعتراف الواجب بحقوق وحرِّيات الآخرين واحترامها، واعتبار ان الوفاءَ بالعادل من مقتضيات الفضيلة والنظام العام ورفاه الجميع في مجتمع ديمقراطي.

- كما شددت هذه المادة على ان لكل فرد واجباتٌ إزاء الجماعة، وانه في هذه الجماعة يمكن أن تنمو شخصيته النمو الحر الكامل.

-  اما دستور 2014 فقد نص الفصل 49 على ضرورة: المحافظة على النظام العام واحترام حريات وحقوق الآخرين طاما لم يقع النيل من جوهر الحقوق وتمت مراعاة مبدا التناسب.

- وقد اثارت مسالة القيود تجاذبات حادة اثناء مداولات المجلس الوطني التأسيسي. وقد ذهب اتجاه أول إلى القول بعدم تقييد الحريات على اعتبار التجربة السابقة المريرة التي عرفتها أوضاع حقوق الإنسان عندما كانت تمنح بالدستور وتنزع بالقانون، بينما تمسك الاتجاه الثاني بضرورة التلازم بين الحقوق والقيود - أي التنصيص على القيود بشكل متلازم مع التنصيص على الحقوق - على اعتبار انه لا يمكن الإقرار بحقوق الإنسان في المطلق في مجتمع يحتاج دائما إلى قيود تنظيمية.

وقد انتهى النقاش إلى الحل الذي جسده الفصل 49 بوصفه حلا توافقيا وتوفيقيا استطاع أن يتحرر من التلازم الآلي التقليدي بين التنصيص على الحقوق وتقييدها، وفي  نفس الوقت وضع قيود وتحديد ضوابط لها. وبقطع النظر على هذا التغيير الشكلي فنحن لا نعتقد أن الفصل 49 قد حقق إضافة نوعية بالرغم من التأكيد على عدم المساس بجوهر الحقوق والحريات ذلك أن العبارات المعتمدة في النص من قبيل الآداب العامة والأمن العام والصحة العامة والدفاع الوطني بوصفها تقوم أساسا للتحجير والتقييد، تبقى فضفاضة وقابلة لأكثر من تأويل ويمكن أن تكون مدخلا للتضييق على الحريات. والحقيقة فأن هذه العبارات لا تضيف جديدا على ما كان معمول به في السابق فالأصل في تقييد الحريات كان دائما يجري على هذا الأساس. والواقع فان مصدر الانتهاكات في العهد البائد كانت نتيجة غياب الشرعية الديمقراطية وتدخل السلطة التنفيذية في أعمال السلطة التشريعية وليس في القيود في حد ذاتها التي تبدو في كثير من الأحيان حاجة ضرورية لفرض النظام العام وحماية امن واستقرار المجتمع.


ب‌- تمظهرات هذه القيود

في بعض الأحيان لا ينفع التحجج بمبدأ حرية التعبير والراي ويصبح وضع جملة من القيود امرا مبررا:

1. التجنيد الإجباري: 

هنا قد يصطدم مبدأ حرية الفرد في الرأي والتعبير مع مبدأ الدفاع الوطني وخدمة العلم باعتباره واجبا مقدسا عندما يتم رفض الخدمة العسكرية لأسباب سياسية أو دينية أو إيديولوجية.

غير أن بعض الدول ذهبت إلى تنظيم هذه المسألة والاعتراف بحق الفرد في رفض الخدمة العسكرية والإقرار بهذه الوضعية التي تسمى بالاستنكاف الضميري objection de conscience وهو ما اقره مثلا القانون الفرنسي الصادر في 8 جويلية 1983 الذي يتضمن الاعتراف بالاستنكاف على أن يتولى الشخص المعارض للواجب العسكري قضاء الخدمة مدنيا عوضا عن الخدمة العسكرية.

2. واجب التحفظ: l’obligation de réserve 

- وهذا يعني أن حرية الموظف العمومي لا يجب أن تتجاوز حدا معينا وأن يراعي وظيفته وألا يصرح بانتقاده لسياسة حكومته أو أن يدعو إلى العصيان أو التمرد.   وهنا قد يصطدم مبدأ حرية التعبير مع مبدأ واجب التحفظ بشكل خاص بالنسبة للموظفين الذين يمارسون مسؤوليات نقابية. وعلى هذا الأساس ينبغي على الموظف أن بتصرف بحذر.

     - غير انه يحق للموظف العمومي عموما أن يعبر عن أفكاره في إطار حرية التعبير وأن ينتمي إلى حزب سياسي كما يحق له أيضا الترشح للانتخابات.

3 الامتناع عن ممارسة الأنشطة السياسية والنقابية بحكم خصوصية بعض الوظائف من ذلك: 

القضاة: يمنع على القضاة المشاركة في تظاهرات سياسية تتعارض مع استقلالية وظيفتهم أو ما يتطلبه إطار وظيفتهم.

العسكريون: تنص الأنظمة القانونية المتعلقة بالوظيفة العسكرية عدة ضوابط وحدود على حرياتهم. إذ يحرم على العسكريين

الانتماء إلى حزب سياسي ( علما وان القانون الانتخابي للمجالس الانتخابية  في تونس سمح  مشاركة عناصر الجيش والامن في الانتخابات).

أو ممارسة أنشطة نقابية

أو الدخول في إضراب 

أو حتى التزوج دون الحصول على رخصة من وزارة الدفاع الوطنية


تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة